الاعتماد على القرآن الكريم
انني أرجوا من الضيوف الكرام أن يسمحوا لي بأن أوضح للمستمعين النقطة الأولى الأساسية التي أثاروها بكل تهذيب حول اعتماد المسلمين في كل أحكامهم الزمنية على القرآن معتبرين أن ذلك قد يسئ الى القرآن نفسه وأني أشرح ذلك ليكون الجواب أكثر وضوحا وأرجوا أن لا يتحرجوا من صراحة شرحي لأفكارهم مهما كانت بعيدة عن أفكارنا لاننا قد شكرناهم على صراحتهم وفتحنا لهم صدورنا وسوف نشكرهم أيضا على موافقتهم على ذلك الشرح اذا وافقوا عليه من دون أن يكون في ذلك أدنى حرج عليهم
ثم قال بعد ذلك لقد اشتركت في أسبوع الفقه الاسلامي الذي انعقد في باريس عام 1951 م في ضيافة الحكومة الفرنسية وفي حضور علماء الحقوق من جميع جامعات العالم وأثار بعضهم هذه النقطة فقال ان الدين لا يمكن أن تكون له قدسيته الا اذا ظل لدى أتباعه على ما جاء عليه مهما تباعدت العصور في قدمه من غير تطوير ولا تغيير والا فقد خسر حرمته وقدسيته
وبناءا على ذلك فان الكتاب المقدس لأي دين سيكون جامدا فكيف يبنى عليه شريعة زمنية متطورة مع تطور الأزمان بل لا بد أن نعترف بأن الشريعة الدينية تكتسب عندئذ صفة الجمود لأن ما بني على الجامد فهو جامد وهذا هو ما يخشى فيه على المسلمين من اقامة شريعتهم على كتاب مقدس هو القرآن الكريم الذي لايجوز تغييره ولا تبديله بينما وقائع الحياة متغيرة متطورة ولذلك يمكن القول بما قاله الوفد هنا من أن ذلك قد يسئ الى القرآن نفسه وهنا تسائل المتكلم السعودي عن رأي رئيس الوفد الأوروبي فيما اذا كان يوافق على كلامه الذي ذكره موجزا سابقا فأجاب الرئيس بالايجاب
وعندئذ تابع عضو الوفد السعودي كلامه فقال وبناء على ذلك أرجوا من السادة الضيوف الحقوقيين أن يسمحوا لي بمقدمة أخيرة قبل الشروع في الاجابة بالتفصيل على ما أثاروه من النقاط ثم تابع عندما طرح علينا هذا الاشكال في جامعة باريس صارحت السائلين بأنه لابد أولا للجواب على ذلك من معرفة الخلاف الأساسي بيننا وبينكم في مفهوم الدين ثم قال وطلبت احضار الجزء الذي يحتوي على كلمة الدين من دائرة المعارف الفرنسية الكبرى في العلوم والآداب والفنون ثم قرأت عليهم ما جاء فيها من أن العلماء أحصوا مائة تعريف للدين وأنهم أسقطوا ثمانية وتسعين منها لأنها غير علمية وأعتمدوا على اثنين منها وهما
أولا الدين هو الطريقة التي يحقق بها الانسان صلاته مع قوى الغيب العلوية
ثانيا الدين هو ما يشتمل على كل معلوم وكل سلطة لا تتفق والعلم
فالاسلام على خلاف معكم في المفهوم الأول لأن الاسلام يتناول في آن واحد كل معلوم يتعلق بصلات الانسان مع قوى الغيب العلوية وكذلك صلات الانسان مع الانسان
وكذلك فان الاسلام على خلاف معكم فيما يتعلق بالمفهوم الثاني لأن القرآن الكريم قال في ذلك ونفصل الآيات لقوم يعلمون وتارة قال لقوم يعقلون وتارة قال لقوم يتفكرون ويريد من ذلك أن الدين في القرآن هو ما يتفق مع العلم والعقل والتفكير وأنه لا أحد يفهم على المسلمين دينهم الا أهل العلم وأهل العقل وأهل التفكير ولذلك لا غرابة اذا جزم المسلمون بوجوب اقامة كل حكم من أحكام شريعتهم على القرآن الذي وصف الدين بما ذكرناه وهكذا جزم بعض العلماء المسلمين كما قال ابن القيم الجوزية من علماء الشريعة أينما كانت المصلحة فثم شرع الله وكما قال ابن عقيل تتمة لذلك وان لم ينزل في ذلك وحي ولا قال به الرسول عليه الصلاة والسلام
ثم تابع كلامه فقال وهكذا أيها الضيوف الكرام فان الاسلام الذي تتفق شريعته مع العلم والعقل والتفكير يجب أن يكون قادرا على مسايرة تطورات الزمن المتجددة وأن يجيب على ضوء المصلحة على كل مسألة من مسائل الأحكام الدستورية والمدنية والجزائية والشخصية التي لا نص فيها
ثم تابع كلامه فقال ولا بد من التمييز في الشريعة الاسلامية مابين القواعد العامة التي لا تقبل التغيير ولا التبديل وما بين التطبيقات للأحكام التفصيلية على تلك القواعد العامة وهي وحدها التي قد تتغير فيها الأحكام تبعا لتغيرات المصالح والأزمان وكل ذلك سواء فيه القواعد العامة أو الأحكام التفصيلية يتفق كما ذكرناه أعلاه مع قواعد العلم والعقل والتفكير أما القواعد العامة فقد تضمنها القرآن الكريم ولذلك أعتبر القرآن الكريم من هذه الناحية هو دستورنا ونظامنا الأساسي في الشريعة الاسلامية ونبني عليه كل أحكام شريعتنا التفصيلية كما هو المفهوم في الشرائع الوضعية حيث يكون لها دستور في قواعده العامة من ناحية الحقوق الأساسية فلا تغيير فيه ولا تبديل ثم يكون لها أحكام قانونية تفصيلية تطبيقا لها على قواعد الدستور العامة
ولذلك فان ما جاء في القرآن الكريم من القواعد العامة لا يجوز فيه التغيير ولا التبديل كالقول بوجوب العدل في الحكم على أساس عدم التمييز في الحكم لا بسبب الدين ولا بسبب الجنس أو اللون أو القرابة حتى ولا العداء فيجب أن تصدر الأحكام العادلة ولو لمصلحة العدو أوضد القريب من دون تمييز في الحكم بالعدل مهما اختلف الطرفان فيما ذكرناه من أسباب مميزة ومعنى ذلك أن القرآن الكريم لا يقبل بصورة ما ومهما تغيرت الظروف والأسباب أن تبطل قاعدة الأخذ بالعدل ضمن تلك الشروط القرآنية وأن يؤخذ محلها بقاعدة الظلم
ومن هذه القواعد العامة في القرآن الكريم أيضا اعلان كرامة الناس أجمعين من غير تمييز ما بين انسان وانسان الا بتقوى الله واعلانه أن الناس جميعهم أسرة واحدة ومن أب واحد ومن أم واحدة وأن الههم اله واحد وان الله انما جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا وليتعاونوا في كل ما فيه خيرهم لا ليعادي بعضهم بعضا أو ليظلم بعضهم بعضا ومعنى ذلك أن القرآن الكريم لا يقبل أيضا بشكل من الأشكال ومهما تغيرت الظروف والأسباب أن تلغى هذه القاعدة في وحدة الأسرة الانسانية بل يجب أن تبقى على أساس من التعارف والتعاون وعدم التمايز ولا يجوز أن يأتي أحد فيقيم مكانها قاعدة التمايز العنصري البغيض
انني أرجوا من الضيوف الكرام أن يسمحوا لي بأن أوضح للمستمعين النقطة الأولى الأساسية التي أثاروها بكل تهذيب حول اعتماد المسلمين في كل أحكامهم الزمنية على القرآن معتبرين أن ذلك قد يسئ الى القرآن نفسه وأني أشرح ذلك ليكون الجواب أكثر وضوحا وأرجوا أن لا يتحرجوا من صراحة شرحي لأفكارهم مهما كانت بعيدة عن أفكارنا لاننا قد شكرناهم على صراحتهم وفتحنا لهم صدورنا وسوف نشكرهم أيضا على موافقتهم على ذلك الشرح اذا وافقوا عليه من دون أن يكون في ذلك أدنى حرج عليهم
ثم قال بعد ذلك لقد اشتركت في أسبوع الفقه الاسلامي الذي انعقد في باريس عام 1951 م في ضيافة الحكومة الفرنسية وفي حضور علماء الحقوق من جميع جامعات العالم وأثار بعضهم هذه النقطة فقال ان الدين لا يمكن أن تكون له قدسيته الا اذا ظل لدى أتباعه على ما جاء عليه مهما تباعدت العصور في قدمه من غير تطوير ولا تغيير والا فقد خسر حرمته وقدسيته
وبناءا على ذلك فان الكتاب المقدس لأي دين سيكون جامدا فكيف يبنى عليه شريعة زمنية متطورة مع تطور الأزمان بل لا بد أن نعترف بأن الشريعة الدينية تكتسب عندئذ صفة الجمود لأن ما بني على الجامد فهو جامد وهذا هو ما يخشى فيه على المسلمين من اقامة شريعتهم على كتاب مقدس هو القرآن الكريم الذي لايجوز تغييره ولا تبديله بينما وقائع الحياة متغيرة متطورة ولذلك يمكن القول بما قاله الوفد هنا من أن ذلك قد يسئ الى القرآن نفسه وهنا تسائل المتكلم السعودي عن رأي رئيس الوفد الأوروبي فيما اذا كان يوافق على كلامه الذي ذكره موجزا سابقا فأجاب الرئيس بالايجاب
وعندئذ تابع عضو الوفد السعودي كلامه فقال وبناء على ذلك أرجوا من السادة الضيوف الحقوقيين أن يسمحوا لي بمقدمة أخيرة قبل الشروع في الاجابة بالتفصيل على ما أثاروه من النقاط ثم تابع عندما طرح علينا هذا الاشكال في جامعة باريس صارحت السائلين بأنه لابد أولا للجواب على ذلك من معرفة الخلاف الأساسي بيننا وبينكم في مفهوم الدين ثم قال وطلبت احضار الجزء الذي يحتوي على كلمة الدين من دائرة المعارف الفرنسية الكبرى في العلوم والآداب والفنون ثم قرأت عليهم ما جاء فيها من أن العلماء أحصوا مائة تعريف للدين وأنهم أسقطوا ثمانية وتسعين منها لأنها غير علمية وأعتمدوا على اثنين منها وهما
أولا الدين هو الطريقة التي يحقق بها الانسان صلاته مع قوى الغيب العلوية
ثانيا الدين هو ما يشتمل على كل معلوم وكل سلطة لا تتفق والعلم
فالاسلام على خلاف معكم في المفهوم الأول لأن الاسلام يتناول في آن واحد كل معلوم يتعلق بصلات الانسان مع قوى الغيب العلوية وكذلك صلات الانسان مع الانسان
وكذلك فان الاسلام على خلاف معكم فيما يتعلق بالمفهوم الثاني لأن القرآن الكريم قال في ذلك ونفصل الآيات لقوم يعلمون وتارة قال لقوم يعقلون وتارة قال لقوم يتفكرون ويريد من ذلك أن الدين في القرآن هو ما يتفق مع العلم والعقل والتفكير وأنه لا أحد يفهم على المسلمين دينهم الا أهل العلم وأهل العقل وأهل التفكير ولذلك لا غرابة اذا جزم المسلمون بوجوب اقامة كل حكم من أحكام شريعتهم على القرآن الذي وصف الدين بما ذكرناه وهكذا جزم بعض العلماء المسلمين كما قال ابن القيم الجوزية من علماء الشريعة أينما كانت المصلحة فثم شرع الله وكما قال ابن عقيل تتمة لذلك وان لم ينزل في ذلك وحي ولا قال به الرسول عليه الصلاة والسلام
ثم تابع كلامه فقال وهكذا أيها الضيوف الكرام فان الاسلام الذي تتفق شريعته مع العلم والعقل والتفكير يجب أن يكون قادرا على مسايرة تطورات الزمن المتجددة وأن يجيب على ضوء المصلحة على كل مسألة من مسائل الأحكام الدستورية والمدنية والجزائية والشخصية التي لا نص فيها
ثم تابع كلامه فقال ولا بد من التمييز في الشريعة الاسلامية مابين القواعد العامة التي لا تقبل التغيير ولا التبديل وما بين التطبيقات للأحكام التفصيلية على تلك القواعد العامة وهي وحدها التي قد تتغير فيها الأحكام تبعا لتغيرات المصالح والأزمان وكل ذلك سواء فيه القواعد العامة أو الأحكام التفصيلية يتفق كما ذكرناه أعلاه مع قواعد العلم والعقل والتفكير أما القواعد العامة فقد تضمنها القرآن الكريم ولذلك أعتبر القرآن الكريم من هذه الناحية هو دستورنا ونظامنا الأساسي في الشريعة الاسلامية ونبني عليه كل أحكام شريعتنا التفصيلية كما هو المفهوم في الشرائع الوضعية حيث يكون لها دستور في قواعده العامة من ناحية الحقوق الأساسية فلا تغيير فيه ولا تبديل ثم يكون لها أحكام قانونية تفصيلية تطبيقا لها على قواعد الدستور العامة
ولذلك فان ما جاء في القرآن الكريم من القواعد العامة لا يجوز فيه التغيير ولا التبديل كالقول بوجوب العدل في الحكم على أساس عدم التمييز في الحكم لا بسبب الدين ولا بسبب الجنس أو اللون أو القرابة حتى ولا العداء فيجب أن تصدر الأحكام العادلة ولو لمصلحة العدو أوضد القريب من دون تمييز في الحكم بالعدل مهما اختلف الطرفان فيما ذكرناه من أسباب مميزة ومعنى ذلك أن القرآن الكريم لا يقبل بصورة ما ومهما تغيرت الظروف والأسباب أن تبطل قاعدة الأخذ بالعدل ضمن تلك الشروط القرآنية وأن يؤخذ محلها بقاعدة الظلم
ومن هذه القواعد العامة في القرآن الكريم أيضا اعلان كرامة الناس أجمعين من غير تمييز ما بين انسان وانسان الا بتقوى الله واعلانه أن الناس جميعهم أسرة واحدة ومن أب واحد ومن أم واحدة وأن الههم اله واحد وان الله انما جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا وليتعاونوا في كل ما فيه خيرهم لا ليعادي بعضهم بعضا أو ليظلم بعضهم بعضا ومعنى ذلك أن القرآن الكريم لا يقبل أيضا بشكل من الأشكال ومهما تغيرت الظروف والأسباب أن تلغى هذه القاعدة في وحدة الأسرة الانسانية بل يجب أن تبقى على أساس من التعارف والتعاون وعدم التمايز ولا يجوز أن يأتي أحد فيقيم مكانها قاعدة التمايز العنصري البغيض