المفهوم الأول : الغاية من الخلق
لماذا خلق الله الإنسان وما الغاية من خلقه ؟
وما رسالته فى هذه الحياه ؟
سؤال واجب على كل انسان أن يسأله لنفسه وأن يعرف ان أى جهل قد يغتفر إلا أن يجهل الإنسان سر وجوده وغاية حياته ورسالة شخصه فى هذه الأرض
يرد الله على تساؤلنا (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) [الذاريات : 56]
نص يتكون من أربع كلمات لكنه يحتوى على حقيقة هائله عن وجودنا والهدف من خلقنا
عن معاذ بن جبل قال " كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى : يا معاذ أتدرى ما حق الله على العباد ؟ قلت : الله ورسوله أعلم , قال :أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " رواه البخارى ومسلم
وفى بعض الآثار القدسيه يقول سبحانه وتعالى "... يا عبادى ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة , ولا لأستكثر بكم من قلة , ولا لأستعين بكم على أمر عجزت عنه , ولا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة , وإنما خلقتكم لتعبدونى طويلاً , وتذكرونى كثيراً ، وتسبحونى بكرةً وأصيلا "
ولكن ماهى العباده ؟
ما معناها ؟ وما فروعها ؟ وكيف نفهمها ؟
المفهوم الثانى : شمول العباده للدين كله
سئل ابن تيمية عن قوله عز وجل : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ )) "البقره 21"
فأجاب رحمه الله :-
" ( العباده ) هى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال ،الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ،وصدق الحديث وأداء الأمانة ، وبر الوالدين وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين , والإحسان للجار واليتيم والمسكين ابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم , والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة ... وكذلك حب الله ورسوله _صلى الله عليه وسلم _ وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له , والصبر لحكمه , والشكر لنعمه , والرضا بقضائه والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه , وأمثال ذلك هى من العبادة لله "
وهكذا نجن أن للعبادة كما شرحها ابن تيمية افقاً رحباً ودائرة واسعه ، فهى ليست مقصورة على الشعائر التعبديه ولكنها أشمل .. فالشعائر من (صلاة وصوم وزكاة ووذكر ) هى جزء من العبادة وليست كل العباده هى تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد (كبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل والرحمة بالضعفاء والرفق بالحياون )
وتشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها ...(من صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد وغير ذلك من مكارم الأخلاق )
كما تشمل ما نسميه بـ ( الأخلاق الربانية ) من حب لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم -وخشية الله والتوبة اليه واخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر على نعمه والرضاء بقضائه
كما تشمل العباده الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج الدين وحاميه وهما : ((الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , وجهاد الكفار والمنافقين فى سبيل الله ))
بل تشمل أيضاً أمراً له أهميته وخطره فى حياة الناس الماديه .. ذكره ابن تيميه فى رسالته ( العبوديه ) وهو الأخذ بالأسباب , ومراعاة السنن التى أقام الله عليها الكون
وهذه نقطة غفل عنها المجتمع المسلم فى العصر الحديث فظن أن الحياة الماديه ( من سعى وطلب واجتهاد وتعلم وصناعة وتجارة ) منفصلة عن الشعائر التعبديه ولا علاقة لها بالعباده
المفهوم الثالث : العبادة تسع الحياة كلها
كما أن العبادة تسع الحياة كلها وتنظم جميع أمورها : من أدب الأكل والشرب ... إلى بناء الدولة وسياسة الحكم و سياسة المال , وشؤون المعاملات والعقوبات وأصول العلاقات الدولية فى السلم والحرب
لهذا ... نجد كتاب الله الكريم يخاطب عباده المؤمنين بأوامر تكليفية وأحكام شرعية , تتناول جوانب شتى من الحياة كلها جاءت فى سورة واحده ( البقرة ) وبصيغة واحده ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ )
يقول سبحانه وتعالى :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ... )) [ البقره 178]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ )) [البقرة : 180]
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) [البقرة : 183]
(( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) [البقرة : 216]
فهذه الأمور كلها من القصاص والصيام والقتال مكتوبة من الله على عباده , أى مفروضة عليهم , فعيهم أن يعبدوا الله بالتزامها والإنقياد لها
بل ويتسع المجال لأكثر من ذلك
فيقول تعالى : (( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ** لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) [الأنعام : 162-163]
ويتسع مفهوم العباده أكثر وأكثر ليشمل سائر أمور الحياة العادية .
خرج الإمام أحمد من حديث أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أحب ما تعبدنى به عبدى , النصح لى "
وعن أى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وان الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )) وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون )).. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يارب ، يارب ، يارب ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغُذىّ بالحرام. فأنى يستجاب له " رواه مسلم
وهذا الحديث يحث العبد على أن يتحرى الحلال فى أعماله وأقواله واعتقاداته فإن الله لا يقبل إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها كالرياء والعجب ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل سلامى من الناس عليه صدقة , كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة , وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تدفع له عليها متاعه صدقة , وتميط الأذى عن الطريق صدقة " رواه البخارى ومسلم
فالمسلم بوسعه أن يجعل حياتى وأوقاته كلها عبادة لله مادام يبتغى بذلك وجه الله عز وجل
فالرجل يمسى كالاً (منهكاً ) من عمل يده يكون عابداً لله , والطالب يمسى متعباً من مراجعة دروسه يكون عابداً لله , والباحث يعيش مع مختبراته وأجهزته يكون عابداً لله , والمرأة تبيت ساهرة على راحة أطفالها وزوجها تكون عابدة لله
والعبادة بذلك تكون منتهى الخضوع لله والذل والإنقياد والإذعان والإستسلام مع الحب والرضا ، والحب والرضا يولدان العمل بكل ما فى الوسع والقدرة لنصر الدين وتعملان على استمرارية العطاء
وآداب اليوم والليلة تحث الأنسان على أن يعيش فى معية الله معية كامله .. ابتداء من استيقاظه وحتى منامه . ويرجع فى ذلك إلى موضوع (1000 سنه وسنه ومن هنــــا أيضاً ) وكتاب (أداب اليوم واليله للنووى ) وكتاب منهاج المسلم للشيخ أبى بكر الجزائرى
المفهوم الرابع : أى العبادات أفضل؟
اذا كانت العابدة فى الإسلام لها هذا الشمول الذى وضحناه ، فأى أنواع العبادات أفضل وأحب إلى الله تعالى , وأعظم منزلة لديه ؟؟؟
يقول ابن القيم فى كتابه مدارج السالكين :
" إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب فى كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته ...
فأفضل العبادات وقت الجهاد هى الجهاد وإن أدى إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك اتمام صلاة الفرض
والأفضل وقت حضور الضيف : القيام بحقه والإشتغال به عن الورد المستحب وكذلك فى أداء حق الزوجة والأهل
والأفضل وقت السحر : الإشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والإستغفار .
والأفضل وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل : الإقبال على تعليمه والإشتغال به
والأفضل فى أوقات الأذان : ترك ما هو فيه من ورد والإشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل فى فى أوقات الصلوات الخمس : الجد والنصح فى إيقاعها على أكمل وجه ، والمبادرة إليها فى أول الوقت , والخروج إلى الجامع وإن بعد كان أفضل .
والأفضل فى أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو ابدن أو المال : الإشتغال بمساعدته , وإغاثة لهفته ، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .
والأفضل فى وقت قرآءة القرآن : جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه , حتى كأن الله تعالى يخاطبك به ، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره ، والعزم على تنفيذ أوامره .
والأفضل فى وقت الوقوف بعرفة : الإجتهاد فى التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .
والأفضل فى أيام العشر الأواخر من ذى الحجه : الإكثار من التعبد , ولا سيما التكبير والتهليل والتحميد .
والأفضل فى العشر الأخير من رمضان : لزوم المسجد والخلوة والإعتكاف فيه دون التصدى لمخالطة الناس والإشتغال بهم.
والأفضل وقت مرض أخيك المسلم أو موته : عيادته ، أو حضور جنازته وتشييعه "
الخلاصة
أن الأفضل فى كل وقت وحال : إيثار مرضاة الله فى ذلك الوقت والحال ، والإشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه .
[size=21]وسمى الإمام ابن القيم هذا النوع من التعبد بالتعبد المطلق , وقال عن صاحبه : " وصاحب التعبد المطلق غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أياً كانت , فمدى تعبده عليها . فهو لا يزال متنقلاً فى منازل العبودية , كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى . فهذا دأبه فى السير حتى ينتهى سيره . فإذا رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم , وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم , وإن رأيت المتصدقين رأيته معهم .
وضح مفهوم العباده من وجهه نظرك وشكرا
لماذا خلق الله الإنسان وما الغاية من خلقه ؟
وما رسالته فى هذه الحياه ؟
سؤال واجب على كل انسان أن يسأله لنفسه وأن يعرف ان أى جهل قد يغتفر إلا أن يجهل الإنسان سر وجوده وغاية حياته ورسالة شخصه فى هذه الأرض
يرد الله على تساؤلنا (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) [الذاريات : 56]
نص يتكون من أربع كلمات لكنه يحتوى على حقيقة هائله عن وجودنا والهدف من خلقنا
عن معاذ بن جبل قال " كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى : يا معاذ أتدرى ما حق الله على العباد ؟ قلت : الله ورسوله أعلم , قال :أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " رواه البخارى ومسلم
وفى بعض الآثار القدسيه يقول سبحانه وتعالى "... يا عبادى ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة , ولا لأستكثر بكم من قلة , ولا لأستعين بكم على أمر عجزت عنه , ولا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة , وإنما خلقتكم لتعبدونى طويلاً , وتذكرونى كثيراً ، وتسبحونى بكرةً وأصيلا "
ولكن ماهى العباده ؟
ما معناها ؟ وما فروعها ؟ وكيف نفهمها ؟
المفهوم الثانى : شمول العباده للدين كله
سئل ابن تيمية عن قوله عز وجل : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ )) "البقره 21"
فأجاب رحمه الله :-
" ( العباده ) هى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال ،الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ،وصدق الحديث وأداء الأمانة ، وبر الوالدين وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين , والإحسان للجار واليتيم والمسكين ابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم , والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة ... وكذلك حب الله ورسوله _صلى الله عليه وسلم _ وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له , والصبر لحكمه , والشكر لنعمه , والرضا بقضائه والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه , وأمثال ذلك هى من العبادة لله "
وهكذا نجن أن للعبادة كما شرحها ابن تيمية افقاً رحباً ودائرة واسعه ، فهى ليست مقصورة على الشعائر التعبديه ولكنها أشمل .. فالشعائر من (صلاة وصوم وزكاة ووذكر ) هى جزء من العبادة وليست كل العباده هى تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد (كبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل والرحمة بالضعفاء والرفق بالحياون )
وتشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها ...(من صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد وغير ذلك من مكارم الأخلاق )
كما تشمل ما نسميه بـ ( الأخلاق الربانية ) من حب لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم -وخشية الله والتوبة اليه واخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر على نعمه والرضاء بقضائه
كما تشمل العباده الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج الدين وحاميه وهما : ((الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , وجهاد الكفار والمنافقين فى سبيل الله ))
بل تشمل أيضاً أمراً له أهميته وخطره فى حياة الناس الماديه .. ذكره ابن تيميه فى رسالته ( العبوديه ) وهو الأخذ بالأسباب , ومراعاة السنن التى أقام الله عليها الكون
وهذه نقطة غفل عنها المجتمع المسلم فى العصر الحديث فظن أن الحياة الماديه ( من سعى وطلب واجتهاد وتعلم وصناعة وتجارة ) منفصلة عن الشعائر التعبديه ولا علاقة لها بالعباده
المفهوم الثالث : العبادة تسع الحياة كلها
كما أن العبادة تسع الحياة كلها وتنظم جميع أمورها : من أدب الأكل والشرب ... إلى بناء الدولة وسياسة الحكم و سياسة المال , وشؤون المعاملات والعقوبات وأصول العلاقات الدولية فى السلم والحرب
لهذا ... نجد كتاب الله الكريم يخاطب عباده المؤمنين بأوامر تكليفية وأحكام شرعية , تتناول جوانب شتى من الحياة كلها جاءت فى سورة واحده ( البقرة ) وبصيغة واحده ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ )
يقول سبحانه وتعالى :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ... )) [ البقره 178]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ )) [البقرة : 180]
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) [البقرة : 183]
(( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) [البقرة : 216]
فهذه الأمور كلها من القصاص والصيام والقتال مكتوبة من الله على عباده , أى مفروضة عليهم , فعيهم أن يعبدوا الله بالتزامها والإنقياد لها
بل ويتسع المجال لأكثر من ذلك
فيقول تعالى : (( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ** لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) [الأنعام : 162-163]
ويتسع مفهوم العباده أكثر وأكثر ليشمل سائر أمور الحياة العادية .
خرج الإمام أحمد من حديث أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أحب ما تعبدنى به عبدى , النصح لى "
وعن أى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وان الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )) وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون )).. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يارب ، يارب ، يارب ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغُذىّ بالحرام. فأنى يستجاب له " رواه مسلم
وهذا الحديث يحث العبد على أن يتحرى الحلال فى أعماله وأقواله واعتقاداته فإن الله لا يقبل إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها كالرياء والعجب ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل سلامى من الناس عليه صدقة , كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة , وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تدفع له عليها متاعه صدقة , وتميط الأذى عن الطريق صدقة " رواه البخارى ومسلم
فالمسلم بوسعه أن يجعل حياتى وأوقاته كلها عبادة لله مادام يبتغى بذلك وجه الله عز وجل
فالرجل يمسى كالاً (منهكاً ) من عمل يده يكون عابداً لله , والطالب يمسى متعباً من مراجعة دروسه يكون عابداً لله , والباحث يعيش مع مختبراته وأجهزته يكون عابداً لله , والمرأة تبيت ساهرة على راحة أطفالها وزوجها تكون عابدة لله
والعبادة بذلك تكون منتهى الخضوع لله والذل والإنقياد والإذعان والإستسلام مع الحب والرضا ، والحب والرضا يولدان العمل بكل ما فى الوسع والقدرة لنصر الدين وتعملان على استمرارية العطاء
وآداب اليوم والليلة تحث الأنسان على أن يعيش فى معية الله معية كامله .. ابتداء من استيقاظه وحتى منامه . ويرجع فى ذلك إلى موضوع (1000 سنه وسنه ومن هنــــا أيضاً ) وكتاب (أداب اليوم واليله للنووى ) وكتاب منهاج المسلم للشيخ أبى بكر الجزائرى
المفهوم الرابع : أى العبادات أفضل؟
اذا كانت العابدة فى الإسلام لها هذا الشمول الذى وضحناه ، فأى أنواع العبادات أفضل وأحب إلى الله تعالى , وأعظم منزلة لديه ؟؟؟
يقول ابن القيم فى كتابه مدارج السالكين :
" إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب فى كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته ...
فأفضل العبادات وقت الجهاد هى الجهاد وإن أدى إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك اتمام صلاة الفرض
والأفضل وقت حضور الضيف : القيام بحقه والإشتغال به عن الورد المستحب وكذلك فى أداء حق الزوجة والأهل
والأفضل وقت السحر : الإشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والإستغفار .
والأفضل وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل : الإقبال على تعليمه والإشتغال به
والأفضل فى أوقات الأذان : ترك ما هو فيه من ورد والإشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل فى فى أوقات الصلوات الخمس : الجد والنصح فى إيقاعها على أكمل وجه ، والمبادرة إليها فى أول الوقت , والخروج إلى الجامع وإن بعد كان أفضل .
والأفضل فى أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو ابدن أو المال : الإشتغال بمساعدته , وإغاثة لهفته ، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .
والأفضل فى وقت قرآءة القرآن : جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه , حتى كأن الله تعالى يخاطبك به ، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره ، والعزم على تنفيذ أوامره .
والأفضل فى وقت الوقوف بعرفة : الإجتهاد فى التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .
والأفضل فى أيام العشر الأواخر من ذى الحجه : الإكثار من التعبد , ولا سيما التكبير والتهليل والتحميد .
والأفضل فى العشر الأخير من رمضان : لزوم المسجد والخلوة والإعتكاف فيه دون التصدى لمخالطة الناس والإشتغال بهم.
والأفضل وقت مرض أخيك المسلم أو موته : عيادته ، أو حضور جنازته وتشييعه "
الخلاصة
أن الأفضل فى كل وقت وحال : إيثار مرضاة الله فى ذلك الوقت والحال ، والإشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه .
[size=21]وسمى الإمام ابن القيم هذا النوع من التعبد بالتعبد المطلق , وقال عن صاحبه : " وصاحب التعبد المطلق غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أياً كانت , فمدى تعبده عليها . فهو لا يزال متنقلاً فى منازل العبودية , كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى . فهذا دأبه فى السير حتى ينتهى سيره . فإذا رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم , وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم , وإن رأيت المتصدقين رأيته معهم .
وضح مفهوم العباده من وجهه نظرك وشكرا