تحصيلهم العلمي والمعرفي وراء القضبان يستعلي على إرادة السجان الصهيوني
الأسرى حطموا المستحيل وحوَّلوا سجون الاحتلال إلى جامعات ومعاهد
الأسرى استثمروا محنة السجن وحوّلوها إلى منحة (أرشيف)
المحنة قد تتحوّل إلى منحة، والسجن قد يتحوّل إلى خلوة للرقي بالذات واستنهاضها وشحذ قدراتها. هذا هو الانطباع الذي يمنحه الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني، وقد تمكّنوا من تحويل الزنازين إلى فصول جامعية وغرف معاهد عليا، بل وانتزعوا الشهادات الأكاديمية في أداء متميِّز.
هذه الحالة الباهرة؛ ترصدها دارسة جديدة للباحث الفلسطيني عبد الناصر فروانة، تحمل عنوان "جزء من الوجه المشرق للحركة الأسيرة - المعتقلون حطّموا المستحيل وحوَّلوا السجون إلى جامعات".
وقال معدّ الدراسة، وهو أسير سابق وباحث متخصص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى الفلسطينية، "رغم ما تعرّض ويتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني من قهر وتعذيب ومعاملة لا إنسانية وظروف حياتية ومعيشية لا تليق بالحياة الآدمية؛ إلاّ أنهم تأقلموا مع هذا الوضع الاستثنائي الخطير".
ولفت الباحث في الدراسة التي حصل "المركز الفلسطيني للإعلام" على نسخة منها، الانتباه إلى أنّ "الأسرى عرفوا مسبقاً طبيعة الاحتلال، وأدركوا أنّ الحقوق لا تُوهَب بل تُنتزع، وأنّ التاريخ لا ولم يُكتب إلاَّ بالدم، والانتصار لا يتأتي إلاّ بتضحيات جسام".
ومضى فروانة يقول "من أوجه تلك التجارب تحويل السجون والمعتقلات إلى قلاع ثورية ومدارس فكرية وجامعات خرجَّت أجيال وأجيال، فخرَّجت القائد الفذ والمناضل العنيد، الكاتب الرائع والشاعر المبدع، فحركة التعلم والتثقيف لم تتوقف، لكنها مرت بمراحل".
واسترسل الباحث في الحديث "في البداية كان من الصعب إيجاد أوراق وأقلام، ووصل الأمر إلى استخدام ورق السجائر وأوراق الكارتون أو أي مادة ورقية للكتابة، كما أن الأقلام كانت ممنوعة ولكنها تُهرّب إلى داخل السجون، حتى أن القلم الواحد كان يُمرّر على التنظيمات المختلفة لكتابة ما يحتاجونه، فاضطُرّ المعتقلون لخوض إضرابات طويلة عن الطعام بهدف السماح بالدفتر والقلم، وحقهم في إدخال الكتب، وكذلك السماح لهم بتنظيم برامج ودورات تعليمية مختلفة، ورغم المماطلة والتسويف من قبل إدارة مصلحة السجون؛ إلاّ أنه في المحصلة النهائية تم انتزاع الدفتر والقلم وحقّ إدخال الكتب".
ويقول الباحث "تعتمد الحركة التثقيفية على التثقيف الذاتي من خلال المطالعة الذاتية، أو من خلال نقل المعارف وتبادل الخبرات من خلال الجلسات التي كانت تتم بشكل جماعي وعلى شكل ندوات ثقافية".
وأضاف فروانة "كما تُعقَد دورات محو أميّة للأسرى الذين لم ينالوا أي قسط من التعليم، ويوضع لهم برنامج إجباري، وهذا لا يعني عدم تناول موضوعات أخرى، كما وركّزت العملية التعليمية داخل المعتقلات على تعليم اللغات، وخاصة العبرية والإنجليزية وبشكل اختياري للأسرى الراغبين في ذلك، وتمكّن المئات منهم من إتقان ذلك، بل وقاموا بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات وعملوا بعد تحرّرهم وبنجاح وتفوق في هذا المجال".
وتشرح الدراسة كيف "اتجه عدد كبير من الأسرى إلى تعلم (فنون) الكتابة، وإن كانت جزءاً من برامج التنظيمات ولكن بتفاوت بين هذا التنظيم وذاك، لكن من المعتقلين من أولوا هذا الجانب أهمية إضافية فأجادوا وأبدعوا في كتاباتهم، النثرية والشعرية والقصائد والقصص القصيرة والمقالات والدراسات والبحوث".
فَكتَب الأسرى ولا زالوا يكتبون خلف القضبان مئات القصص القصيرة ومئات القصائد والخواطر والمقالات السياسية، وجزء لا بأس به من الأسرى واصل كتاباته بعد التحرر، وانضم رسمياً إلى الكتاب والشعراء والصحفيين والمترجمين، كما يأتي في الدراسة.
وتابع عبد الناصر فروانة "كان لكل تنظيم برنامجه التثقيفي الخاص ورؤيته للمواد التي يجب تناولها، كما كان كل تنظيم يمتلك مكتبة خاصة به، بجانب المكتبة العامة التي تحتوي في الغالب على آلاف الكتب المتنوعة، وهناك آليات لتبادل الكتب بين مكتبات التنظيمات المختلفة، وبالرغم من اختلاف البرامج وآليات التعليم؛ إلا أنّ هناك إطاراً مشتركاً يوحد الجميع يعتمد على ضرورة استغلال فترة السجن في صقل وزيادة معرفة الأسرى بكافة مستوياتهم".
وقد تمثّل التطوّر الكبير الذي شهدته المعتقلات في إصرار الأسرى على إكمال دراستهم للحصول على شهادة الثانوية العامة بعدما سمحت إدارة السجون بذلك وفقاً لشروط معينة وبالتنسيق مع التربية والتعليم، وبالفعل تمكّن العديد من الأسرى من الحصول على تلك الشهادة، في حين حُرم من لا تنطبق عليهم الشروط من ذلك، كما لا زال الأسرى محرومين من مواصلة مسيرتهم التعليمية لمن هم أدنى مستوى من الثانوية العامة.